رجوع

إدارة البيانات الحكومية في العصر الرقمي: إطلاق القيمة للمجتمع والاقتصاد

المقدمة

أصبحت البيانات العمود الفقري للمجتمعات الرقمية الحديثة، وتعد الحكومات من أكبر الجهات المالكة للبيانات. إذا تم استغلال هذه الموارد الضخمة بشكل فعال، يمكن أن تحقق فوائد هائلة، مثل تحسين كفاءة الخدمات العامة، وتقليل الاحتيال، وتعزيز عملية اتخاذ القرار، ودفع عجلة النمو الاقتصادي.

ومع ذلك، تواجه العديد من الحكومات تحديات كبيرة في الاستفادة من قوة البيانات. حيث تعيق البنية التحتية القديمة والتخزين المتفرق وعدم التوافق بين الأنظمة المختلفة القدرة على تحقيق الفائدة الكاملة من البيانات. في بعض الحالات، لا تزال الجهات الحكومية تعتمد على العمليات اليدوية أو السجلات غير المتاحة رقميًا، مما يخلق عقبات تعطل الإدارة العامة وصنع القرار.

ومع تسارع التحول الرقمي في جميع أنحاء العالم، يجب على الحكومات اعتماد نهج استراتيجي لتحديث إدارة البيانات. وقد خطت دول مثل السعودية، الإمارات، وقطر خطوات جريئة نحو التكامل الرقمي، ما يجعلها نماذج رائدة في كيفية استغلال البيانات لإنشاء أنظمة حكومية أكثر كفاءة وترابطًا.

يستعرض هذا المقال التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومات في إدارة البيانات، ويحدد خمسة إجراءات استراتيجية يمكن أن تساعد في تحقيق أقصى استفادة من البيانات عبر المؤسسات العامة والاقتصاد والمجتمع ككل.

 

التحديات في إدارة البيانات الحكومية

لا تزال العديد من الحكومات تعتمد على أنظمة إدارة بيانات قديمة ومجزأة، مما يعيق الوصول السلس إلى البيانات وتكاملها. وتشمل التحديات الرئيسية:

  1. تشتت البيانات وعزلها

غالبًا ما يتم تخزين البيانات الحكومية في سجلات منفصلة، تخدم كل منها دائرة حكومية أو غرضًا معينًا. وبدون نظام مركزي، تواجه الجهات الحكومية صعوبة في معرفة البيانات المتاحة، مما يؤدي إلى تكرار المعلومات وهدر الوقت والموارد. كما يُطلب من المواطنين والشركات تقديم نفس البيانات إلى جهات حكومية متعددة بسبب عدم التنسيق.

  1. ضعف الوصول الرقمي

رغم تقدم التحول الرقمي، لا تزال العديد من السجلات الحكومية تعتمد على الأوراق أو الأنظمة القديمة التي تفتقر إلى معايير وصول موحدة. يؤدي ذلك إلى زيادة التكاليف التشغيلية، وتأخير تقديم الخدمات العامة، وتعطيل عمليات صنع القرار. حتى في الحالات التي تكون فيها البيانات رقمية، قد تفتقر الجهات الحكومية إلى البنية التحتية المناسبة للوصول إليها بكفاءة.

  1. غياب التوافقية بين الأنظمة

حتى عند رقمنة البيانات، تواجه الجهات الحكومية عقبات تقنية تمنع مشاركة البيانات أو دمجها بين الإدارات المختلفة. تؤدي الفروقات في تنسيقات البيانات، والتعاريف المختلفة، والتنظيمات المتباينة إلى عرقلة تبادل المعلومات بسهولة. كما أن استخدام أسماء مختلفة لكيانات متشابهة، أو الاعتماد على معرفات متعددة لنفس الجهة، يزيد من تعقيد المشكلة.

  1. المخاوف الأمنية والخصوصية والامتثال

يتطلب تحديث إدارة البيانات الحكومية اهتمامًا قويًا بالأمان والخصوصية. يشعر العديد من المواطنين بالقلق بشأن كيفية استخدام بياناتهم الشخصية وتخزينها ومشاركتها. لذلك، يتعين على الحكومات معالجة هذه المخاوف من خلال وضع أطر حوكمة صارمة، وضمان الامتثال لقوانين حماية البيانات، ومنح المواطنين مزيدًا من التحكم في بياناتهم.

  1. ضعف اتخاذ القرار بسبب عدم الاستفادة من البيانات

تمتلك الحكومات كميات هائلة من البيانات، ولكن بدون التكامل والتحليل السليم، تظل هذه البيانات غير مستغلة بالكامل. يؤدي غياب التحليلات الفورية إلى بطء الاستجابة للأزمات، وسوء تخصيص الموارد، واتخاذ قرارات أقل كفاءة. وتكتسب الدول التي تستفيد من البيانات لاتخاذ قرارات مبنية على التوقعات وتحليلات البيانات ميزة كبيرة في الحوكمة والتخطيط الاقتصادي.

 

خمسة إجراءات استراتيجية لإدارة فعالة للبيانات الحكومية

يمكن للحكومات التي تسعى إلى تحديث أنظمة بياناتها تبني الإجراءات الخمسة التالية لتحقيق أقصى استفادة من البيانات.

  1. تحديد رؤية واضحة مع حالات استخدام عملية

بدلاً من محاولة إصلاح شامل، يجب أن تبدأ الحكومات بتحديد حالات استخدام محددة حيث يمكن للبيانات أن تحقق فرقًا ملموسًا. على سبيل المثال، قامت السعودية بدمج خدماتها الحكومية من خلال أبشر، مما يتيح للمواطنين الوصول إلى العديد من الخدمات بحساب واحد. كما تبنت الإمارات مبدأ التقديم لمرة واحدة، بحيث لا يضطر المواطنون إلى تقديم بياناتهم أكثر من مرة، ويتم مشاركتها بشكل آمن بين الجهات الحكومية. أما قطر، فتعتمد على تسمو قطر الذكية للاستفادة من البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين الحوكمة وتقديم الخدمات.

  1. رسم خريطة البيانات وفهم المشهد الرقمي

يعد رسم خريطة لجميع السجلات الحكومية ومصادر البيانات خطوة حاسمة في تحديث إدارة البيانات. يساعد ذلك في تحديد التكرارات، والبيانات غير المتاحة، والمجالات التي تحتاج إلى تحسين. في السعودية، يشرف المكتب الوطني لإدارة البيانات (NDMO) على حوكمة البيانات الحكومية، مما يضمن تحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المختلفة.

  1. إنشاء بنية تحتية مركزية وقابلة للتشغيل البيني

يجب أن تستثمر الحكومات في بناء بنية تحتية آمنة تتيح تبادل البيانات بين الإدارات المختلفة، وتشمل:

  • معرفات موحدة – تخصيص رقم تعريف موحد للأفراد والشركات والممتلكات لضمان تناسق البيانات.
  • معايير تقنية موحدة – وضع تنسيقات بيانات وبروتوكولات واجهات برمجية موحدة لتسهيل تبادل البيانات.
  • مستودعات خدمات مركزية – إنشاء قواعد بيانات تتيح للجهات الحكومية الوصول إلى المعلومات بسهولة.
  • أنظمة وسيطة لتبادل البيانات بأمان – وضع بوابات تقنية تسهل عمليات تبادل البيانات بين الجهات الحكومية مع ضمان الخصوصية.
  • إدارة تتبع البيانات والموافقة – منح المواطنين إمكانية متابعة كيفية استخدام بياناتهم والتحكم في الموافقات على مشاركتها.

يعد الهوية الرقمية الإماراتية (UAE Pass)” مثالاً ناجحًا على نظام هوية رقمية يتيح الوصول إلى الخدمات الحكومية المتعددة مع ضمان أمن البيانات.

  1. تبني مختبرات بيانات مرنة لتسريع الابتكار

ينبغي أن تنشئ الحكومات مختبرات بيانات تضم فرقًا متعددة التخصصات من التقنيين وصناع القرار وعلماء البيانات، بحيث يمكنهم اختبار الحلول الرقمية بسرعة وتطويرها ونشرها بمرونة. يعد بوابة حكومة قطر الإلكترونية – حكومي مثالًا على كيفية تحسين الخدمات الحكومية الرقمية من خلال الابتكار المستمر.

  1. إنشاء وكالة بيانات مركزية للإشراف على الحوكمة والامتثال

يمكن لوكالة بيانات مركزية أن تضع معايير موحدة، وتنفذ بروتوكولات الأمان، وتشرف على التحديثات المستقبلية للبنية التحتية للبيانات الحكومية. تلعب جهات مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)” و**”مبادرة دبي الذكية”** دورًا أساسيًا في تحسين إدارة البيانات الحكومية وضمان الامتثال لقوانين الخصوصية.

 

الخاتمة

أدركت الحكومات في جميع أنحاء العالم الحاجة الملحة لتحديث بنيتها التحتية للبيانات. من خلال معالجة التحديات المرتبطة بتشتت البيانات وضعف الوصول وعدم التوافق، يمكنها تحقيق فوائد هائلة للمجتمع والاقتصاد والخدمات العامة.

إن الاستثمار في تحديث البيانات اليوم سيمكن الحكومات من أن تكون أكثر ذكاءً وكفاءة واستجابة في العصر الرقمي.

الموضوعات ذات الصلة